أدب

أدب الطفل في مصر وروسيا


  • 6 مايو 2024

شارك الموضوع

بدهي أن للأدب أهمية كبيرة في تشكيل حياة الطفل، إذ يصنع منه إنسان الغد بطموحاته ومواقفه من الحياة، وقدرته على الخيال والإبداع. مَن منا لم يتأثر بقصص الأطفال وما تضمه من عوالم مغرية من أقزام، وحيوانات، ومخلوقات غريبة؟

يعد حديث الأم مع وليدها هو أول عهد البشرية بالخيال الأدبي، وكانت تلجأ إليه الأم بعد أن تستنفد كل مطالب الصغير، وبعد أن تجيب عن كل الأسئلة التي كان يطرحها. كانت تلجأ إلى الخيال لتضيف إلى عالمه شيئًا جديدًا، فيتعلق بها ، ويطلب مزيدًا، في حين كان الأب في الخارج يبحث عن قوت يومه. وكانت الأم الأولى تستعير خيالات الكبار، وتجري عليها تبسيطًا حتى تناسب عمر الطفل، ومدركات خياله.

كانت إيطاليا هي أول من عرف شيئًا من “ألف ليلة وليلة” منذ القرن الثالث عشر، ثم وصل كتاب “ألف ليلة وليلة” إلى فرنسا عن طريق تركيا في القرن السابع عشر. وكان انتشار الأدب الشرقي الشعبي دافعًا للأوروبيين في القرنين السابع عشر والثامن عشر للبحث في تراثهم، وإعادة صياغته. وفي نهاية القرن السابع عشر، بدأ يتبلور في فرنسا أدب للأطفال في العصر الحديث، وظهرت مجموعة بعنوان “حكايات أمي الإوزة” للشاعر الفرنسي الشهير تشارلز بيرو، التي تُرجمت إلى جميع اللغات الأوروبية.

وكانت الكتابة للأطفال آنذاك غير مستساغة في وسط الأدباء، إذ كانت الكتابة للأطفال تنزل من قدرات الأديب، وتحط من شأنه. ولجأ الكاتب الفرنسي تشالز بيرو إلى كتابة القصص باسم مستعار، واختار اسم ابنه الصغير (بيرو دار مانكور)، وعثر على أصول المجموعة التي كتبها الشاعر الكبير بخط يده بعد وفاته، والتي تؤكد أنه هو المؤلف الحقيقي للمجموعة، وليس ابنه. ثم كتب مجموعة أخرى، وانتشرت في أوروبا. وكانت فتحًا جديدًا في مجال الكتابة للطفل، وتحول إلى فن مستقل بذاته. وتعد فرنسا صاحبة السبق بين الأمم الحديثة في الكتابة لهذا اللون من الأدب، وأصبح تشارلز بيرو أول من كتب أدبًا خاصًا بالأطفال في تاريخنا الحديث.

يتطرق الدكتور علي الحديدي، في كتابه “في أدب الأطفال”، إلى تاريخ أدب الأطفال في روسيا، حيث ظهرت مجموعة الحكايات الشعبية المعبرة عن عاداتهم وتقاليدهم المحلية، بعنوان “أساطير روسية”، وانجذب أمير الشعراء ألكسندر بوشكين إلى عالم الطفل، وحكى حكايات تخاطب طفولتهم، وتمتعهم، في لغة سهلة، وبعيدة عن الكنايات والرموز.

تتناول الدكتورة مكارم الغمري، في البحث الذي نُشر في العدد السادس عشر من مجلة الألسن للترجمة، عام 2021، ويحمل عنوان “الترجمة الأدبية وتنشئة الطفل”، تجربة الكاتب الروسي البارز ليف تلستوي، وتشير إلى اتجاه الأديب الروسي ليف تلستوي إلى الكتابة للطفل، وألف إبداعات قصصية، وكُتبًا تعليمية وتربوية طبقها في مدرسته، ومنها: قصة علي بابا والأربعين حرامي، والأمير قمر الزمان. كما استلهم القصص الخرافية والأسطورية على لسان الطير والحيوان. وانكب الكاتب الكبير ليف تلستوي على ترجمة أساطير الشرق، و”ألف ليلة وليلة”.

حظي الأطفال باهتمام كبير في روسيا والبلدان الاشتراكية بعد الثورة البلشيفية عام 1917، وظهر لون متميز من أدب الطفل يعبر عن روح المجتمع الاشتراكي الواقعي، وينتقد المجتمع الرأسمالي والاقطاعي نقدًا لاذعًا، وينشر المحبة والألفة والتعاون بين المجتمع. وتنبهت روسيا والبلدان الاشتراكية لخطورة قضية الطفولة وآدابها منذ وقت مبكر. وقد أسهم في الكتابة للأطفال كبار الكتاب والشعراء، أمثال مكسيم جوركي، وأنطون تشيخاف، وليف تلستوي، وألكسي تلستوي، وكوبرين، وأكساكوف، ودال، وأوشينسكي، ومامين سيبرياك، وجارشين، وقدموا القصص، والأشعار، والحكايات الشعبية القديمة.

اقترح مكسيم جوكي بعد الثورة أن يظهر أدباء متخصصون في الكتابة للطفل، وألا يُكتفى بالكتاب الكبار الذين يكتبون للطفل بين الحين والآخر. وطالب بالتخصص في أدب الأطفال، وكتب عن طفولته ليعرف الأطفال طفولة الكاتب الأولى. وكان الشاعر ماياكوفسكي من أوائل الذين لبوا نداءه، وكتب 16 مقطوعة شعرية، تمتاز بالمرح والسهولة، والمضمون الثوري؛ ليتعلم الأطفال البطولة والفداء، والقيم الجديدة للمجتمع.

تشير الدكتورة مكارم الغمري، في بحثها المنشور في مجلة الألسن للترجمة، إلى تأثير “علي بابا والأربعين حرامي” في الكاتب الكبير ليف تلستوي، حيث كانت له مدرسة وتجربة فريدة في العمل من أجل ثقافة الطفل، وأفسح الكاتب الروسي البارز، الذي ملأ اسمه السمع والأبصار، ونال شهرة عريضة، وله مكانة كبيرة بأعمال “الحرب والسلام”، و”آنا كارينينا”، مكانًا في قلبه ووقته لعالم الطفل؛ إيمانًا منه بأهمية إعداد أجيال المستقبل. وانشغل تلستوي بموضوعات التربية، وأنشأ مدرسة لتعليم أولاد الفلاحين في ضيعته “ياسنايا بوليانا”، على نفقته الخاصة، ودرّس بنفسه للأطفال، وقد قرأ وترجم كثيرًا من الدراسات التي تناولت أسس التربية والتعليم. كما أصدر مجلة خاصة تحمل اسم الضيعة. وكان يصدر عنها كتيبات تنشر “قصصًا للأطفال”، وألف كتبًا خاصة للقراءة والأبجدية، وشملت مؤلفاته الحكايات والأساطير. وكان يؤمن بدور الفن في التهذيب والتعليم، ونشر القيم الأخلاقية. كما ألّف وترجم ترجمة حرة للقصة والأسطورة المأخوذة من تراث الشرق والغرب. والهدف من القصة تقديم القيم التربوية والأخلاقية، والمعلومات المفيدة، سواء أكانت معلومات علمية أم تاريخية، وتقديم الموعظة والتسلية، وأنت تجمع بين التشويق والبساطة. وقدم ليف تلستوي ثلاثة نماذج من القصة:

1- النموذج الأول: القصة التاريخية. آمن تلستوي أن أفضل طريقة لتعريف الطفل بالتاريخ هي الحكاية، واهتم بتعريف الطفل بتاريخ الحضارات القديمة، وكتب “قصة قمبيز وبسماتيك”، حيث يروي فيها، في إطار فني، قصة غزو ملك الفرس قمبيز لمصر، وأسره لملكها بسماتيك في القرن السادس قبل الميلاد.

2- النموذج الثاني: القصص الخرافية، التي تُروى على لسان الطير والحيوان. وكانت في أغلبها عبارة عن ترجمة حرة لأساطير هندية، وعربية، وإيرانية، وتركية، كما كانت إعادة صياغة لقصص إيسوب الخرافية، مثل قصة “الفأر والأسد”، واهتم بالأفكار الهادفة إلى الخير والموعظة الحسنة، وأن تتحلى القصة بالبساطة والوضوح.

3- النموذج الثالث: القصة المستلهمة من التراث الشعبي العالمي، وبخاصة الشرقي العربي، الذي أعجب به إعجابًا شديدًا نابعًا من نظرة تلستوي إلى الفن الشعبي الأصيل على أنه وسيلة إلى التفاهم بين الشعوب، وعامل قوي للتأثير في الوجدان الإنساني، بصرف النظر عن اللون والعرق.

استوقف كتاب “ألف ليلة وليلة” ليف تلستوي. وقام بالترجمة الحرة للقصة التي حملت عنوان “دونياشكا والأربعين حرامي”، والتي تعد النسخة الروسية من القصة العربية الشهيرة “علي بابا والأربعين حرامي”. يروي تلستوي عن سماعه القصة في منزل جدته في عمر 14 عامًا، حيث كان يعيش معهم راوٍ أعمى، كان يقص عليهم كل ليلة حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة. وظل معجبًا بالقصة طوال حياته. وبعد مرور 50 عامًا من معرفته القصة، كان يشرف على وضع قائمة بالكتب التي كان لها وقع كبير عليه في الطفولة، وأدرج قصة “علي بابا والأربعين حرامي” ضمن القائمة. وعندما فكر في تأليف قصص تستلهم التراث الشعبي، كانت أول ما تبادر إلى ذهنه القصة التي تعد المحاولة الأولى لاقتباس فولكلور الشرق. نلاحظ في القصة تطابق الأفكار الرئيسة والمضمون في النسختين المصرية والروسية، فيما عدا وجود بعض التعديلات التي أدخلها تلستوي على النص العربي، وهي:

1- تغيير الأسماء العربية إلى الروسية؛ لتكون قريبة من وجدان الطفل الروسي، فنراه استبدل اسم سيمون باسم علي بابا، ومرجانة استبدل بها اسم دونياشكا، وأطلق اسم أنطون على الأخ، وكلها أسماء روسية نمطية.

2- أدخل بعض التفاصيل التي تناسب الواقع الروسي، كأن يرتدي البطل القبعة الروسية، والحذاء الشتوي العالي.

3- حمل الأخ والجارية جسد الأخ إلى القس قبل دفنه.

كما سمح لنفسه بشيء من التدخل الإبداعي في النص، حيث غيّر العنوان إلى دونياشكا؛ وهي الجارية مرجانة في القصة العربية؛ لأنه وجد هذا التغيير ملائمًا؛ نظرًا إلى الدور المهم الذي تؤديه الجارية في الأحداث، حيث تعد مرجانة، أو دونياشكا في النسخة الروسية، هي البطل الرئيس في أحداث القصة. فيما يبدو الدور الذي قام به علي بابا هامشيًّا مقارنةً بدور الجارية، فنجدها تقضي على مخططات اللصوص، وفي الوقت نفسه تخلصت منهم، وأنقذت مخدومها. كما جسدت كل المعاني الإيجابية والفطنة والإخلاص. ونالت القصة إعجاب الأطفال الروس. وكانت القصة المقدمة للأطفال عند الكاتب الروسي ليف تلستوي تهدف إلى: تقديم المعلومة، وتقديم القيم التربوية والأخلاقية على نحو جذاب وبسيط. كما قدم القصة العلمية للطفل تقديمًا يلائم المراحل العمرية له؛ من خلال اللغة البسيطة. واستخدام الأسماء القريبة من وجدان الطفل الصغير وفهمه.

كما يخبرنا الدكتور علي الحديدي، في كتابه “في أدب الطفل”، أن روسيا تمتلك 222 دار نشر متخصصة في كتب الأطفال، وتصدر ما يعادل أربعة أضعاف ما يصدر في أمريكا، وتسعة أضعاف ما يصدر في إنجلترا. ويرتبط تاريخ الأدب الروسي للأطفال بأنشطة دار نشر “ميشكايا”، التي تأسست بمبادرة من الكاتب مكسيم جوركي، عام 1933.

وفي رسالتي للماجستير التي ناقشتها في جامعة عين شمس (عام 2019)، تحت عنوان “صور البطولة في قصص الأطفال الروسية والمصرية وعلاقتها بنموذج القدوة”، قمت بمراجعة منهجية تنظر إلى الدراسات السابقة التي قارن فيها الباحثون بين قصص الأطفال في مصر وعدد من المجتمعات الخارجية، ثم تناولت 114 قصة مصرية وروسية مطبوعة خلال نصف القرن الماضي، وضمت الموضوعات التالية:

  • الصفات الشكلية للقصص من حجم، وعدد صفحات، وطبيعة الرسوم والألوان. كما تناولت تصنيف أسلوب الكتابة، ومدى ملاءمته للمرحلة العمرية المستهدفة، ومدى اعتماد أسلوب العرض على الحوار بين الأبطال أم على سرد للأحداث.
  • تحليل طبيعة الصراع في القصة وتصنيفه وفقًا لمدى وقوعه صراعًا بين الإنسان والكائنات، أو بين الإنسان وقوى الطبيعة، أو بين قوى الخير والشر، ومدى توزيع قيم الفضيلة، والرذيلة، والظلم، والعدل. كما تناولت أيضا صور الأبطال الإيجابية، وخصالهم من تعاون، وكرم، وتسامح، وشجاعة، وصورهم السلبية وصفاتهم من أنانية، وخيانة، وطمع، وكذب، وغيرها.
  • مكان القصص وزمانها، إذ صنفت الأعمال وفقًا لبيئة المدينة، والريف، والغابة، والصحراء، والبحار، والحدائق، كما صنفتها وفقًا للزمن إلى قصص في زمن الماضي، والحاضر، وقصص عالم المستقبل. وصنفت الدراسة القصص محل التحليل إلى تاريخية، وواقعية، وقصص الألغاز والسير الشعبية والملاحم، وحكايات الحيوان.
  • حظي البطل في هذه الدراسة باهتمام كبير بتصنيفه وفقًا للنوع (ذكر/ أنثى)، وطبيعة خلقه وتكوينه (إنسان/ حيوان/ كائن خارق)، والمرحلة العمرية (صغير/ شاب/ كهل). كما لقيت جنسية الأبطال عناية بالتحليل (هل البطل من أهل البلاد وثقافتهم أم من موروث ثقافي من قصص أجنبية).
  • طبيعة القصص (مؤلفة/ مترجمة) ومضمونها (بطولة ومغامرة/ خيالية/ شعبية/ واقعية/ تاريخية/ دينية/ خيال علمي/ فكاهية )، واللغة المستخدمة (فصحى/ فصحى مبسطة/ عامية).
  • المشكلات التي تتعرض لها القصص ما بين اجتماعية ونفسية، وطرائق حل هذه المشكلات (الذكاء/ حلول مبتكرة/ حلول بمحض المصادفة/ استخدام القوة/ التحايل/ الدهاء/ قوى غيبية).

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع